JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الصفحة الرئيسية

جرادة مالحة".. اللعبة التي جعلت المغاربة يتعايشون مع الجراد

 



في أزقة المدن العتيقة وساحات القرى المغربية، هناك ألعاب شعبية استطاعت أن تصمد أمام تقلبات الزمن، محافظة على سحرها الذي استهوى أجيالًا متعاقبة،واحدة من تلك الألعاب التي لا تزال محفورة في الذاكرة الجماعية هي "جرادة مالحة"، وهي ليست مجرد لعبة أطفال، بل طقس اجتماعي وتراث ثقافي يعكس جزءًا من الهوية المغربية.

ما هي "جرادة مالحة"؟

"جرادة مالحة" هي لعبة حركية بسيطة لكنها تتطلب ذكاءً وخفة حركة وسرعة بديهة. يلعبها الأطفال غالبًا في الأحياء الشعبية والأسواق المفتوحة، خاصة خلال فترة ما بعد الظهيرة أو في أمسيات الصيف الدافئة.

تعتمد اللعبة على ترديد عبارة إيقاعية مشهورة:

"جرادة مالحة، فين كنتي سارحة ؟"
"
في جنان اصالحة!"
"
آش كلتي واش شربتي ؟"
"
غير التفاح او  النفاح !"

وبينما ينطق اللاعبون بهذه العبارات، يكون أحدهم مسؤولًا عن ملاحقة الآخرين والإمساك بهم في إطار يشبه ألعاب المطاردة. اللعبة تتطلب سرعة في الجري، وتحايلًا على الماسك الرئيسي، وكثيرًا من المرح والصيحات الجماعية.

أصل اللعبة: تراث شفهي متجذر

رغم غموض أصولها الدقيقة، إلا أن لعبة "جرادة مالحة" تُعتبر جزءًا من التراث الشفهي المغربي، حيث تم تناقلها عبر الأجيال من الأجداد إلى الأحفاد، دون الحاجة إلى كتابتها أو توثيقهاّ، بعض المؤرخين يربطونها بالحياة القروية، حيث كانت الجرادة عنصرا مألوفا لدى الأطفال، سواء في الحقول أو خلال المواسم الزراعية.

في حين يرى آخرون أن "الجرادة المالحة" تمثل رمزية التحايل والمراوغة، حيث أن الجرادة رغم صغر حجمها تتحرك بخفة وتتفادى الوقوع في الفخ، وهو ما يعكس روح اللعبة القائمة على الهروب والمراوغة.

لماذا استمرت "جرادة مالحة" عبر الأجيال؟

رغم ظهور الألعاب الإلكترونية والتغيرات التي طرأت على أسلوب لعب الأطفال، إلا أن "جرادة مالحة" لا تزال تحظى بشعبية كبيرة، خاصة في القرى والأحياء التقليدية، ويمكن تفسير هذا الاستمرار بعوامل عدة:

·         بساطة اللعبة: لا تحتاج إلى معدات أو تجهيزات خاصة، بل تعتمد فقط على التفاعل الجماعي والحركة.

·         القيمة الاجتماعية: تعزز اللعبة روح التفاعل بين الأطفال، وتخلق جوًا من المرح والتعاون.

·         الحفاظ على التراث: تعتبر جزءًا من الهوية المغربية، حيث تحافظ العائلات على نقلها للأطفال للحفاظ على التراث الشعبي.

·         تنمية المهارات: تساعد على تطوير سرعة الاستجابة، التركيز، والقدرة على التخطيط أثناء الهروب من الماسك الرئيسي.

من اللعبة إلى الفن والمجتمع

لم تبقَ "جرادة مالحة" مجرد لعبة شعبية، بل تسللت إلى عالم الفن والأدب الشعبي. حيث وظفها بعض الكتاب والفنانين المغاربة كإشارة إلى الذكاء والمراوغة والتحدي في أعمالهم، كما أن بعض الفرق الموسيقية وظفت عبارة "جرادة مالحة" في أغانيهم لتعكس جزءًا من الحياة اليومية والروح الشعبية المغربية.

في عالم يتغير بسرعة، تظل الألعاب الشعبية مثل "جرادة مالحة" جسرًا يربط الماضي بالحاضر، حيث تعيد إحياء ذكريات الطفولة لجيل كامل من المغاربة. وبينما تنحسر الألعاب التقليدية أمام طوفان التكنولوجيا، تبقى هذه اللعبة رمزًا للفرح العفوي والبساطة التي طبعت طفولة المغاربة لقرون. فهل يمكن للأجيال القادمة أن تحافظ عليها؟ الزمن وحده كفيل بالإجابة على هذا السؤال.

الاسمبريد إلكترونيرسالة